نصوص مُتعَبة

.. كثيرٌ من الحبر يبقى
كثيرٌ من الحب يمضي


(١)
ما يريحني الآن هو أن أكتب نصاً يشبه الموشحات بكامل سحرها دون أن يكون مثلها، عارياً من كل خوف، طاهراً من كل حزن، نصاً يشبه قافية الكاف الساكنة بحدتها وبلاغتها، الكاف الساكنة كلما اصطدمت بقلبي أعادت إليه الحياة كما يفعل المسعفون، الكاف الساكنة تشبهني كثيراً.. لو كانت الخيارات تتاح لنا قبل أن نُخلَق لاخترتُ أن أكون إما شجرة لوز ممتدة ومثمرة بالبياض، وإما قافية كافٍ ساكنة في قصيدة بن زيدون.. " ودّع الصبرَ مُحِبٌّ ودّعَك، ذائعٌ من سرّهِ ما استودعك"

(٢)
الآن لن يريحني إلا أن أكتب عن الشارع الذي يقع بين بيتنا وبيت جارنا، أعتقد أن هناك نصوصاً كثيرة كتبت عن الشوق والمحبة والثورة ، أريد أن أكتب نصاً عن الشارع، عن وجدان الطرق وارتباطها بنا، عن مساحاتها المتعبة من خطو أقدامنا.. عن تسرب أنابيب المياه وجريانها بعفوية في ممراتها الضيقة وسط القرى، عن هروب الأطفال في أماكن الانفجارات وتوسدهم إياها في غفلة هذا العالم!
ترى كيف يشعر الطريق تجاه روائح الأحذية و التصاق الأرصفة البرجوازية بجانبه!
كيف يحتك جلده الإسفلت كل يوم بعجلات السيارات ويبقى صامتاً هكذا !
ينبغي أن أجد حلاً  لكل هذا الفراغ، أهرب من الكتابة حتى لا أصطدم بأحد أو أتذكر أحد، أهرب إلى الحديث عن الطريق والأزقة والممرات أيضاً لأنها لم تخذلني يوماً، لم أبكِ على صدرها، لم أتعلق بها، الطريق لم ينتظرني يوماً، غير أنه يرحب بي على الدوام، الطريق لم يعدني بشيء ولم يوهمني بشيء، لم يكتب القصائد التي أشتبه فيها: هل كُتبت لي أم لفتاة غيري!؟..
الطريق طاهرٌ من كل هذا.

(٣)
ما توقف هذا الصداع وأنا أكتب قصيدة،
لا أتذكر من الذي قال لي يوماً: " أكون لكِ حبة بنادول؟ "
أتذكر فقط أنني أصبت بالغثيان وقتها وقبّلت علبة الدواء - وهو المسكن  لكل الآلام-  معلنةً انحيازي إليه كوسيلة لإيقاف الصداع، ورغبتي التامة في أن يتخذ كلٌ موقعه في حياتي على مسافات صحيحة، الأب أبٌ فقط، الأصدقاء أصدقاء فقط، المعلّم معلّمٌ فقط، وأنا أكون لنفسي كل ما سبق وأكثر..
 لم أعد أؤمن بفكرة وجود شخص يكون لك كل شيء، إنها فكرة قاتلة حقاً ولا أنصح بتجربتها، هذا الشخص السحري الذي يشبه " البنادول" سوف يهزمك، وإن طال الوقت ستشعر أنه يقضي عليك تماماً ويلغي هويتك حتى لو كان باختيارك ورغبتك.
عليك أن تكون أنت بنادول نفسك، وصديقها وحبيبها إن تطلب الأمر.

تعليقات

  1. نص الشوارع والاقدام .. نص لذيذ .. فهذه الشوارع التي يمشي عليها الفقير والغني ..

    تمنيت لو اسهبت اكثر في النص حتى اغوص في توسع النص ..
    شكرا

    ردحذف
  2. أهلاً مهدي ..

    شكراً لمتابعتك :)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة